قول أصحاب المذاهب الأربعة في النقاب
مذهب الحنفية :
(1) قال العلامة الطحطاوي في ( حاشيته الشهيرة على مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح ص 161) عند هذه العبارة ما يلي : « ومَنْعُ الشابة من كشفه ـ أي الوجه ـ لخوف الفتنة ، لا لأنه عورة » اهـ .
(2) وقال الشيخ داماد افندي ت 1078 هـ ( 1667 م) (مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر ـ 1 / 81) : « وفي المنتقى : تمنع الشابة عن كشف وجهها لئلا يؤدي إلى الفتنة . وفي زماننا المنع واجب بل فرض لغلبة الفساد وعن عائشة : جميع بدن الحرة عورة إلا إحدى عينيها فحسب ، لاندفاع الضرورة » اهـ .
(3) وقال العلامة ابن نجيم ( البحر الرائق شرح كنز الدقائق ـ 1 / 284) : « قال مشايخنا : تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة » اهـ .
(4) قال العلامة المرغيناني (فتح القدير ( 2 / 405) عند كلامه عن إحرام المرأة في الحج : « وتكشف وجهها لقوله عليه السلام : إحرام المرأة في وجهها ».
قال العلامة المحقق الكمال بن الهمام تعليقًا على هذه العبارة : « ولا شك في ثبوته موقوفًا . وحديث عائشة رضي الله عنها أخرجه أبو داود وابن ماجه ، قالت : كان الركبان يمرون ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذَونا سَدَلَت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه .
قالوا : والمستحب أن تسدل على وجهها شيئًا وتجافيه ، وقد جعلوا لذلك أعوادًا كالقُبة توضع على الوجه يسدل فوقها الثوب . ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة وكذا دلَّ الحديث عليه » اهـ .
* * * *
ثانيا : مذهب المالكية :
(1) وقال الشيخ الحطَّاب (مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ـ 1 / 499) : « واعلم أنه إن خُشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين . قاله القاضي عبد الوهاب ، ونقله عنه الشيخ أحمد زرّوق في شرح الرسالة ، وهو ظاهر التوضيح . هذا ما يجب عليها »اهـ .
(2) وقال الشيخ الزرقاني في شرحه لمختصر خليل : وعورة الحرة مع رجل أجنبي مسلم غير الوجه والكفين من جميع جسدها ، حتى دلاليها وقصَّتها .وأما الوجه والكفان ظاهرهما وباطنهما ، فله رؤيتهما مكشوفين ولو شابة بلا عذر من شهادة أو طب ، إلا لخوف فتنة أو قصد لذة فيحرم ، كنظر لأمرد ، كما للفاكهاني والقلشاني . وفي المواق الكبير ما يفيده .
وقال ابن الفاكهاني : مقتضى مذهبنا أن ذلك لا يحرم إلا بما يتضمنه ، فإن غلبت السلامة ولم يكن للقبح مدخل فلا تحريم) .
وهذا كله ـ كما ترى ـ في حكم نظر الرجل الأجنبي المسلم إليها . أما حكم كشف وجهها فلم يتعرض الشارح له في هذا الموضع ، وستجده في الفقرة الرابعة المنقولة من حاشية الشيخ البناني عند كلامه على هذه العبارة نفسها ، فانتظره فإنه بيت القصيد .
"ومذهب الشافعيّ أَمَسُّ بسدِّ الذرائع ، وأقرب للاحتياط ، لا سيَّما في هذا الزمان الذي اتّسع فيه البلاء ، واتسع فيه الخرق على الراقع » . اهـ باختصار يسير ( شرح الزرقاني على مختصر خليل ـ 1 / 176(
( وقد كتب العلامة البنَّاني في حاشيته على شرح الزرقاني لمختصر خليل على كلام الزرقاني السابق (1 / 176 ، ونحوه في حاشية الصاوي على الشرح الصغير 1 / 289) . ) ما يلي » قول الزرقاني : إلا لخوف فتنة ، أو قصد لذة فيحرم ، أي النظر إليها ،
وهل يجب عليها حينئذٍ ستر وجهها ؟ وهو الذي لابن مرزوق في اغتنام الفرصة قائلًا : إنه مشهور المذهب ، ونقل الحطاب أيضًا الوجوب عن القاضي عبد الوهاب ، أو لا يجب عليها ذلك ، وإنما على الرجل غض بصره ، وهو مقتضى نقل مَوَّاق عن عياض . وفصَّل الشيخ زروق بين الجميلة فيجب عليها ، وغيرها فيُستحب »اهـ .
(3) وقال ابن العربي : « والمرأة كلها عورة ، بدنها ، وصوتها ، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة ، أو لحاجة ، كالشهادة عليها ، أو داء يكون ببدنها ، أو سؤالها عما يَعنُّ ويعرض عندها » أحكام القرآن ( 3 / 1579) .
قال محمد فؤاد البرازي : الراجح أن صوت المرأة ليس بعورة ، أما إذا كان هناك خضوع في القول ، وترخيم في الصوت ، فإنه محرم كما سبق تقريره .
(4) وقال القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره ( 12 / 229) : « قال ابن خُويز منداد ــ وهو من كبار علماء المالكية ـ : إن المرأة اذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة ، فعليها ستر ذلك ؛ وإن كانت عجوزًا أو مقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها » اهـ .
* * * *
ثالثًا : مذهب الشافعية :
(1) قال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في المنهج : « وعورة حُرَّة غير وجه وكفين« ... .
قال الشيخ سليمان الجمل في حاشيته على الكتاب السابق عند قوله : « غير وجه وكفين : وهذه عورتها في الصلاة . وأما عورتها عند النساء المسلمات مطلقًا وعند الرجال المحارم ، فما بين السرة والركبة . وأما عند الرجال الأجانب فجميع البدن . وأما عند النساء الكافرات ، فقيل : جميع بدنها ، وقيل : ما عدا ما يبدو عند المهنة » اهـ ( حاشية الجمل على شرح المنهج ـ 1 / 411)
(2) وقال الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي ( تحفة المحتاج بشرح المنهاج ـ 3 / 113 ـ 115 ، المطبوع بهامش حاشيتي الشرواني والعبادي ) في « فصل تكفين الميت وحمله وتوابعهما » : « يُكفن الميت بعد غسله بما لَهُ لُبْسُهُ حيًا ... ثم قال : وأقله ثوب يستر العورة المختلفة بالذكورة والأنوثة »اهـ .
وقد كتب الشيخ الشرواني ( حاشية الشرواني على تحفة المحتاج ـ 3 / 115) في حاشيته على تلك العبارة : « فيجب على المرأة ما يستر بدنها إلا وجهها وكفيها ، حرَّة كانت أو أمة . ووجوب سترهما في الحياة ليس لكونهما عورة ، بل لكون النظر إليهما يوقع في الفتنة غالبًا . شرح : م ر ــ أي شرح شمس الدين بن الرملي رحمهما الله تعالى .
(3) وقال الشيخ الشرواني : « قال الزيادي في شرح المحرر : إن لها ثلاث عورات : عورة في الصلاة ، وهو ما تقدم ـ أي كل بدنها ما سوى الوجه والكفين . وعورة بالنسبة لنظر الأجانب إليها : جميع بدنها حتى الوجه والكفين على المعتمد .وعورة في الخلوة وعند المحارم : كعورة الرجل »اهـ ـ أي ما بين السرة والركبة ـ ( حاشية الشرواني على تحفة المحتاج ـ 2 / 112) .
* * * *
رابعًا : مذهب الحنابلة(1) قال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله تعالى ـ : « كل شيء منها ــ أي من المرأة الحرة ــ عورة حتى الظفر » اهـ (زاد المسير في علم التفسير ـ 6 / 31 )
(2) وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي ـ رحمه الله تعالى ـ ( الفروع ( 1 / 601 ـ 602): « قال أحمد : ولا تبدي زينتها إلا لمن في الآية. ونقل أبو طالب : « ظفرها عورة ، فإذا خرجت فلا تبين شيئًا ، ولا خُفَّها ، فإنه يصف القدم ، وأحبُّ إليَّ أن تجعل لكـمّها زرًا عند يدها » . اختار القاضي قول من قال : المراد بــ ﴿ مَا ظَهَرَ ﴾ من الزينة : الثياب ، لقول ابن مسعود وغيره ، لا قول من فسَّرها ببعض الحلي ، أو ببعضها ، فإنها الخفية ، قال : وقد نصَّ عليه أحمد فقال : الزينة الظاهرة : الثياب ، وكل شيء منها عورة حتى الظفر » اهـ .
(3) وقال الشيخ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي (كشاف القناع عن متن الإقناع ـ 1 / 309) ) : « والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة حتى ظفرها وشعرها » لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « المرأة عورة » رواه الترمذي ، وقال : حسن صحيح .
* * * *
الخُــــلاصـــة :
يستنتج من تلك النصوص التي سقناها من المصادر المعتمدة عند كل مذهب من تلك المذاهب الأربعة ما يلي :
وجوب ستر المرأة جميع بدنها ، بما في ذلك وجهها وكفيها عن الرجال الأجانب عنها .
وقد رأى بعض أهل العلم أن الوجه والكفين عورة لا يجوز إظهارهما لغير النساء المسلمات والمحارم ، استنادًا إلى الحديث الصحيح : « المرأة عورة . «
ورأى البعض الآخر أنهما غير عورة ، لكنهم قالوا بوجوب سترهما لخوف الفتنة نظرًا لفساد الزمن .
فانعقدت خناصر المذاهب الأربعة على وجوب سترهما ، وحرمة كشفهما .
لذا نقل « الإمام النووي » ، و« التقي الحصني » ، و« الخطيب الشربيني » ، وغيرهم عن « الإمام الجويني » إمام الحرمين اتفاقَ المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه . انظر : روضة الطالبين ( 7 / 21 ) ، وكفاية الأخيار ( 2 / 75 ) ، ومغني المحتاج ( 3 / 128 ـ 129)