السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أخوتي واخواتي بالمجلة نقلت لكم قصة الصحابي البطل مصعب بن عمير رضي الله عنه من احد المجلات الاسلاميه بقلم صادق الجميلي .
نقلت قصة هذا البطل لانه حقاً له قصة تخلد في التاريخ وما لها اثر طيب في نفسي لانه من الصحابة الذين تدمع عيني عليهم كلما قرأت عنهم لانهم احباب واصحاب رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وبهم سطرت البطولات واعلاء راية الاسلام اللهم اسكنهم اعلى الجنان . اتمنى ان نقتدي بهم وهم بحق خير قدوة لنا . اللهم صلي على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
من أعلام العارفين :
مُصعَبُ بن عُمَير " رضي الله عنه "
هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الداربن قصي , القرشي العبدري , وكان يُكنى أبا محمد أو أبا عبد الله , وهو الداعية الاول في ( يثرب) مدينة الرسول , والمهاجر الدائم , ومن أبطال بدر, وحامل لواء المسلمين في أحد, ومن الشهداء الذين رزقوا أعلى درجات الشهادة , ونزل في حقه قرآن يُتلى ويتعبد به المسلمون الى يوم القيامة .
وفي بيت عز وشرف وسيادة وغنى من بيوتات مكة من بني عبد الدار , ولد
" مصعب " لابوين شريفين متميزين في قومهما , فأبوه عمير كان عريض الجاه وغني النفس والمال , وأمه " خناس بنت مالك " من أثرياء النساء في مكة , وعرفت الى جانب ذلك برجاحة العقل , وحسن التدبير , وكان الوالدان الشريفان يرعيان ابنهما مصعب رعاية خاصة لما عرف عنه منذ نعومة أظفاره ذكاؤه المفرط ونشاطه وحيويته وشجاعته وقوة ملاحظته , فكان لمصعب عندهما المكانة الممتازة بين اخوته , فعاش عيشة يفيض فيها تيهاً ودلالا ... فكانت الام تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقها.. وكان يتعطر كثيراً , فهو أعطر أهل مكة وأجملهم وأرقهم , ويلبس الحضرمي من النعال , ويمر بين أحياء مكة فترمقه عيون فتياتها , ويسترعي منظره ساكنيها , فكان فتنة القوم حقاً تتحرك أمامها عواطف الناس وهو على تلك الحياة الناعمة المترفة وقد أخذ منها النصيب الاكبر . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره دائماً ويقول : ( ما رأيت بمكة أحسن لمّة , ولا أرق حلّة , ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير ) .
وتمر الايام والليالي مسرعة فيما هي فيه من مفاتن مصعب , فاذا بذلك الشاب يثور على نفسه ويتمرد على شهواتها , ويصارع مغريات الحياة بكل جلادة وأناة وينظر الى الحياة بمنظار الحقيقة فيكيف حاله نحوها وذلك يوم قذف الله تعالى في قلبه المظلم نور الايمان فأضاء جوانبه .. وكانت نقطة التحول والبداية يوم بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الى الاسلام في ( دار الارقم ) فدخله ليسمع لاول وهلة من كلام النبوة ما يوقظ في نفسه عناصر الخير ويوهج فيها نور الايمان فتأمل هذا الفتى الفاتن العاطر حقيقة الدعوة الجديدة فرآها القول الفصل وما هو بالهزل , وقوة لا يعتريها الضعف , وصراحة في محاسبة النفس , والطاقة التي تلهب مشاعر الانسان وتوجهها نحو الخير .. وبالجملة أن ما سمعه مصعب من كلام النبوة دعوة الى الانصراف عن حياة قريش الناعمة المترفة اللاهية وتوجيه جديد الى العبودية الحقة ونبذ الشرك وعبادة الله الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .. فانضم مصعب الى قافلة الجديدة التي يحدوها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستأنف في ظلها حياة جديدة لا تعرف للراحة طعماً وللدعة والاستسلام لرغبات النفس غير المتناهية سبيلا . انه المسار الجديد الذي اختاره الله لبني البشر على يد سيد البشر , وأنها صبغة الله التي فطر الناس عليها .. وعند هذا الحد يقف مصعب ليطلّق الدنيا ثلاثاً لا رجعة فيها , دنيا الجاهلين التي ألفها وهو في رعاية أبويه , فأدار عنها ظهره كلياً ولكن بصمت ودون ضجيج ومن غير أن تثير تلك الحالة حوله غباراً , فقد كتم مصعب اسلامه على أمه وقومه وكان يدخل دار الارقم بن الارقم ليجتمع فيها بالرسول والصحابة من اخوانه القلة التي آمنت بالدين الجديد , وليتلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم دروساً في الايمان والاسلام .. ثم ينطلق الجميع من تلك الدار يدعون الناس الى الدين الذي آمنوا به وعاهدوا الله على الدعوة اليه .
عقبات في طريق الهدي:
وبعد هذا التحول الجديد لمحت الام على وجه ابنها المدلل المترف آثار تفكير عميق , ووجد لم تعهده من قبل , واعراض كلي عن مباهج الحياة التي تنعم بها هذه الاسرة الشريفة فأقلقها ذلك , وزاد من قلقها سكوت مصعب عن كل التساؤلات التي تبديها نحوه , وتروّع الام عندما تفاجأ بالخبر ينزل عليها كالصاعقة ينقله اليها ( عثمان بن طلحة النهدي ) وهو نبأ اسلامه , اذ بصر به ( عثمان ) يصلي , وشاع الخبر بين قومه : ان مصعب قد صبأ عن دين الآباء والاجداد وآمن بدين محمد صلى الله عليه وسلم .
علم أهل مصعب اذن باسلامه , فأخذوا يذيقونه شتى صنوف العذاب وألوان التضيق والارهاب , فأوثقوه وحبسوه فلم يزده ذلك الا اصراراً وايماناً بالدين الذي آمن به ونذر نفسه رخيصة للدفاع عنه والدعوة اليه , ولسان حاله يقول : ربِ السجن أحب اليّ مما يدعونني اليه .. وظل مصعب محبوساً حتى جاءه الامر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة الى الحبشة الى أرض نجاشي , فهاجر مع من هاجر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الهجرتين اليها مفارقاً أهله وعشيرته بل مفارقاً دنيا الناس الذين آذوه اضطهدوه ... وهناك أصاب ( مصعباً ) من جدب العيش وشظفه ما أصابه , حتى رجع الى مكة متغير الحال فيمن رجعوا اليها . وعاش ( مصعب ) في فقر مدقع حتى أنه ليقبل ذات يوم والنبي صلى الله عليه وسلم جالس بين أصحابه , فحياهم مصعب بتحية الاسلام فردوها بأحسن منها. فنظر النبي صلى الله عليه وسلم الى مصعب بن عمير وهو مقبل وعليه اهاب -أي جلد - كبش قد تنطّق به , فرثى لحاله وقال صلى الله عليه وسلم : ( انظروا الى هذا الفتى الذي نوّر الله قلبه بالايمان , لقد رأيته بين أبوين يغدوانه بأطيب الطعام والشراب , فدعاه حب الله ورسوله الى ما ترون !! ) .. والحديث أخرجه الترمذي بلفظ آخر وقال : حديث حسن .
مصعب في مدينة الرسول :
ولما انصرف أهل العقبة الاولى الاثنا عشر من أهل يثرب , طلبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرشح لهم واحداً من صحابته يقرئهم القرىن ويفقّههم في الدين فوقع الاختيار على مصعب فكان أهلا لذلك فبعثه اليهم وكان يُدعى ( القارىء والمقرىء ) . وكانت تلك هجرته الثالثة فنزل مصعب المعلم الضيف أول ما وصل على ( سعد بن زرارة ) . وكان يأتي الانصار في دورهم وقبائلهم فيدعوهم ال الاسلام , ويشرح لهم مبادئه , ويقرأ عليهم القرآن بصوته الملائكي فتخشع له القلوب , وتطمئن اليه النفوس , حتى ظهر الاسلام وفشا أمره في دور الانصار كلها .
وعلى يديه أسلم ( سعد بن معاذ ) و ( أسيد بن حضير ) ثم كتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه أن يُجمّع بهم – أي يصلي بهم صلاة الجمعة – فأذن لهم , فجمّع بهم في دار ( سعد بن خيثمة ) فهو أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل هجرة المسلمين من أهل مكة اليها .
وانقضت السنة الاولى وخرج الحجيج من الاوس والخزرج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي يبايعونه بيعة العقبة الثانية , وخرج معهم مصعب بن عمير , وقد رافق في رحلته ( سعد بن زرارة ) فقدم مكة فجاء منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم اولاً ولم يقرب منزله فيزور والديه , فجعل يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الانصار وسرعتهم الى الاسلام ويبشره بمستقبل هذا الدين في تلك الربوع , وقد سُرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما أخبره , فكانت نعم البشارة !!..وبلغ أمه أنه قد قدم مصعب الى مكة , فأرسلت اليه تؤنبه وتقول : أتقدم بلداً أمك فيه ولا تبدأ بها ؟! فأجابها جواب المؤمن الواثق برسالة ربه يقول : والله يا أماه !! ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وأرادت أمه حبسه مرة أخرى , فقال : لئن أنتِ حبستني لأحرصن على قتل من يتعرض لي! قالت : اذن اذهب لشأنك ! وجعلت تبكي . فقال مصعب : يا أماه ! اني لكِ ناصح , وعليك شفيق , فاشهدي : انه لا آله الا الله , وأن محمداً عبده ورسوله . فأقسمت- بما كانت عليه – تقول : لا أدخل في دينك يا مصعب فيُزرى برأيي , ويضعف عقلي ولكني سأدعك وما أنت عليه , وأقيم على ديني !
وأقام مصعب مع الرسول بمكة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر , ثم هاجر الى المدينة ثانية , وذلك لهلال شهر ربيع الاول قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم باثنتي عشرة ليلة .
فكان مصعب أول المهاجرين الى المدينة .. قال البراء بن عازب : أول من قدم علينا المدينة من المهاجرين ( مصعب بن عمير ) أخو بني عبد الدار بن قصي , ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم ثم أتانا بعده عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن مسعود وبلال الحبشي ثم أتانا عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين .
مصعب المجاهد :
وهاجر محمد صلى الله عليه وسلم الى المدينة , وأقام فيها الدولة الاولى , وأرسى قواعدها , وعاش ( مصعب بن عمير ) تلك السنين ! الاولى العجاف والتي مرت على المسلمين راضياً يدعو الى الله على بصيرة , ويرشد الناس الى طريق الهداية والنور , حتى فرض الله على المسلمين القتال للدفاع عن حياض العقيدة والدين الخالد , وشهرت السيوف بوجه أعداء الله من المشركين , واشتعلت نار الحرب بين الكفر والايمان قرب آبار ( بدر ) وكان مصعب من أشد أبطالها ضراوة وبأساً على الاعداء ولو كانوا اخوانهم أو أباءهم أو عشيرتهم .
ووما يروي في ذلك بعد انتهاء معركة بدر أمر مصعب بن عمير بأخيه ( أبي عزيز بن عمير ) الذي خاض المعركة ضد المسلمين , فمر به وأحد الانصار من المسلمين قد أسره وهو يضع القيود في يده . فقال مصعب للانصاري : شد يديك به ! فان أمه ذات متاع لعلها تفديه منك . فقال أبو عزيز لاخيه مصعب : أهذه وصاتك بي ؟! فقال مصعب : انه – أي الانصاري - أخي دونك !.. هكذا كان الصراع في بدر ! فكانت العقيدة فوق كل اعتبار , والاخوة في الله دونها أخوّة النسب , وقيل لم يشهد بدراً من بني عبد الدار الا رجلان : مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة .
وكتب الله النصر المؤزر للمؤمنين , وعادت قريش تحمل الخزي والعار الى مكة, وفي ( القليب ) أشرافها وأصحاب الصدارة فيها مضرجين بالدماء , ورسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على جثثهم يقول : يا أهل القليب ! بئس عشيرة النبي أنتم ! كذبتموني وصدقني الناس , وأخرجتموني وآواني الناس , وقاتلتموني ونصرني الناس !
يا أهل القليب ! هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟! فاني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً !
مصعب الشهيد :
واشتعلت نار الحرب مرة أخرى في ( أ ُحد ) وكان قد خرج النبي صلى الله عليه وسلم الى العدو على رأس جيش بلغ حوالي ألف مقاتل .. وقد قسّم هذا الجيش الى ثلاث كتائب .
1 – كتيبة المهاجرين , وأعطى الراية فيها لمصعب بن عمير العبدري القرشي .
2 - كتيبة الاوس من الانصار , وأعطى الراية فيها للحبّاب بن المنذر بن الجموح .
3 – كتيبة الخزرج من الانصار أيضاً , وأعطى الراية فيها لأسيد بن حضير .
فاشتبك الجانبان والتحم الفريقان , وانتصر المسلمون أول النهار , لكن ما لبث أن نظر بعضهم إلى متاع الدنيا فأدبهم الله بالهزيمة , وكان مصعب يتقدم كتيبته وهو يحمل لواء المسلمين مستبسلاًَ فثبت به ثبوت الرواسي , فأقبل ( ابن قمئة ) من فرسان قريش فضرب يده اليمنى فقطعها و ( مصعب ) يقول : " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل " . وأخذ اللواء بيده اليسرى فأكب عليه ليحميه من السقوط على الارض فضرب يده اليسرى فقطعها فأكب على اللواء وضمه بعضديه على صدره وهو يقول : ( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل ) ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه في صدره واندق الرمح , ووقع ( مصعب ) وسقط اللواء فابتدره رجلان من بني عبد الدار هما : سويبط بن سعد , وأبو الروم بن عمير , فأخذه أخوه أبو الروم , ووقف محمد صلى الله عليه وسلم على الشهداء يقرأ قوله تعالى : (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه * ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا )) .
ووما زاد في ارباك الموقف بعد استشهاد مصعب : أن اشاعة سرت مفادها أن المشركين تمكنوا من قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم , ونادى مناديهم بذلك , وسبب هذه الاشاعة : أن طلعة مصعب كانت شبيهة بطلعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاصة اذا لبس السلاح , فظن الفارس المشرك ابن قمئة الذي قتله أنه قد قتل محمداً فصاح : ( لقد قتلت محمداً ) فشاع هذا الخبر الكاذب بين المقاتلين . فوقع مزيد من الذعر والارتباك في صفوف المسلمين المطوقة .. وفي النهاية انتهت المعركة الطاحنة لصالح المسلمين .
ثم حُمل مصعب بن عمير الى الرسول صلى الله عليه سلم فنظر اليه , وقد ذكر أيامه الماضيات في مكة , فقال : لقد رأيتك يا مصعب بمكة , وما بها أحد أرق حُلّة ولا أحسن لمّة منك , ثم أنت مشعّت الرأس في بردة .
فعن خبّاب قال : قُتل مصعب يوم أ ُحد فلم نجد له شيئاً نكفنه فيه الا نَمِرة – أي اِزار – كنا اذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه , واذا غطينا رجليه خرج رأسه , فأمرنا رسول الله أن نغطي بها رأسه ونجعل على رجليه اِذخِراً – أي حشيشة طيبة الرئحة – أخرجه البخاري ومسلم .
ثم أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقبر , فنزل الى قبره أخوه أبو الروم بن عمير وعامر بن ربيعة وسويبط بن سعد بن حرملة .
وكانت تلك هجرته الاخيرة الى الله ورسوله , وهو يؤمئذ ابن أربعين سنة أو يزيد .
رحمك الله يا مصعب , ورضي الله عنك وأرضاك يا أكرم شهيد عند الله . فقد ضربت لنا مثلا أعلى في البطولة والاستبسال ونكران الذات , وفزت بجنات الخلد وبما نلته أعلى درجات الشهادة , وتركت دنياك الفانية لتهب لغيرك من أبناء قومك من المؤمنين حياة العز والكرامة والايمان . وكنت حقاً يا مصعب , من الرجال المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه . فسلام عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدار!!